عبد السلام وادو
وجهة نظر/ وادو كسَّر "ديكتاتورية" الصّوت الواحد وزعزع قناعاتٍ راسخة تميل إلى التّقديس.. ألم يكُن حرياً بالكرة المغربية احتضانه بدل تنفيره؟
كان للموقف الذي تبنَّاه عبد السلام وادو وَقْعُ الرّجة التي حرَّكت الرأي العام الوطني وجعلته ينتفض، الدولي المغربي السابق لم يمسّ مُقدّساً أو أتى جُرماً خرق بها ميثاقاً أخلاقياً أو مُجتمعياً مُعيّناً، بل خرج فقط عن "الإجماع" انتصاراً لما يؤمن به، وسواء كان ذلك بدافع ذاتي أو موضوعي، فإن حقّه يظل مكفولاً في التّعبير عن اعتقاداته وعما يراه مُتماشياً مع أفكاره، دون تطاولٍ على حُرمة الآخرين أو كينونتهم كبَشَر أولاً قبل مراكزهم أو ما يشغلونه من مناصب.
في الواقع، المدافع الذي كان ضمن العناصر الوطنية التي بلغت نهائي كأس أمم أفريقيا سنة 2004 قَفَز على قناعاتٍ راسخةٍ وراكدة يعتنقها الكثيرون، الذين يُفكّرون بشكل جمعي ويُغيِّبون المنطق النقدي لديهم، فاسحين المجال أمام تقديس الأفراد وإحاطتهم بكافة ضروب الإجلال كأنهم ملائكة لا يُخطئون ولا يُجانبون الصّواب في نمط اضطلاعهم بمسؤولياتهم وإدارتها.
في بلدٍ حَسَم اختياره باعتماد الخيار الديمقراطي ضمن الأسس التي يستند إليها في دساتيره السابقة آخرها سنة 2011، يبقى الكُل مدعوا إلى استيعاب مبدأ حُرية التعبير وصيانتها للآخر، حتى لو كان هذا الأخر يحمل آراءً مُناقضة لما نؤمن به، وتتعارض مع ما ترسَّخ لدينا من أفكار وتوجهات.
الحال أن ما جَهَر به وادو جرَّ عليه سيلاً من ردود الفعل المتشنِّجة، منها ما نَهَل من قاموس العنصرية واستهدفه على أساس العِرق واللّون وحتى الانتماء القبلي، وهناك ما طَعَن في انتمائه للوطن؛ وهو حقٌّ ليس لأيٍّ كان أن يُجرِّده منه، وإلا تفشَّت نزعات الإقصاء، واستمد المرء شرعية إفراغ الآخر من وطنيته وإنسانيته وكل ما هو مُقدّس في شخصه.
ثمة من سيعتبر أن لاعب نانسي الفرنسي سابقاً بصدد تصريف مواقف شخصية وتحويلها إلى أفعال عدائية، بناءً على التّجاهل الذي يرى أنه قد قوبل به من طرف مسؤولي الكرة المغربية، حينما توسَّل للمدير التقني الوطني، أوشن روبيرتس من أجل اجتياز فترة تدريب لاستكمال مسطرة الحصول على شهادته، لكن هنا يجب التساؤل عن مدى قدرتنا على احتضان طاقاتنا وتكريم أسماء بذلت وأعطت الكثير لهذا المجال بدل تنفيرها وتوليد مشاعر العداء لديها.
ما كشفته التفاعلات التي أنتجها موقف وادو عرَّى البنية المُشكّلة لجزء من الحقل الرياضي، وكيف أنها تشتغل بمنطق الولاء والاصطفافات القائمة على المصالح، ومن ذلك جاءت البلاغات التي صاغتها الأندية الوطنية في وقتٍ واحد تقريباً تُناصر فيها رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، وتُعادي الدولي السابق، لأنه أبدى رأياً لا يطعن في أي مُقدّسٍ يستلزم كل هذه التعبئة والدعاية المُضادة التي تروم إقبار الأصوات المُخالفة.
القائمون على المؤسسات المُوكل إليها تدبير شؤون الكرة الوطنية مدعوون إلى توسيع صدورهم حتى تصير رحبة وتقبل الانتقادات قبل الإشادات، فالمُناخ الصِّحي الذي يُمكن أن يُوفّر لنا سبل التطور والازدهار يستدعي بيئةً تضم آراء مُختلفة ومتناقضة، وليس صوتاً واحداً يُجبر الكل على الصّدح به كأننا في أوركسترا تعزف قطعة موسيقية في "دار أوبرا".
لست في حصة مُرافعة لصالح عبد السلام وادو، لكن ساءتني تلك الشّوائب التي أفرزها موقفه من طرف المُختلفين معه، والذين كشفوا لنا حتمية ما يجب تقويمه وإصلاحه في بنيتنا الرياضية، التي ينبغي أن تنحاز إلى المؤسسات والاستراتيجيات والمشاريع بدل أن تكون مُلحقة للأشخاص وتابعة لهم.
هذا لا يعني أن الاختيار الذي سلكه وادو غير قابل للنّقض والمُساءلة شكلاً ومضموناً، لكن ذلك لا يستقيم إلا بتدافع الأفكار والمُحاججة والنّقاش البنّاء والمُثمر الذي بوسعه إنتاج مسارات وحلول وخيارات إضافية في رحلة تطوير الكرة الوطنية، أما عكس ذلك، فلن يُشكّل لنا سوى نسقاً وإطاراً مُحاط بالقدسية التي يحظر على أي كان الخوض فيها ونقدها والحديث عنها.