ملعب "سانية الرمل" بتطوان
مقال رأي/ "الويكلو" في البطولة "الاحترافية".. خيارٌ مُكلِّف يُجرِّد الكرة المغربية من أهم مُقوِّماتها
لم يَعُد بالإمكان النَّظر إلى الوضع القائم بــالبطولة "الاحترافية" إلاَّ بعَيْن التوجُّس حَدَّ الشّفقة رُبّما، فالنموذج الذي باتت عليه الكرة المغربية يبدو مُصاباً بالكثير من الأعطاب. إن المُمارسة الكروية والظروف المُحيطة بها داخل هذا الوطن تعتريها فَرَامل تَكْبَحُ وصولها إلى ما تقتضيه أكثر من عشر سنوات من دخول عالم "الاحتراف" نظرياً.
لا أتحدث عن المنتخبات الوطنية التي تنعم بأجود الإمكانيات وتحظى بأقصى اهتمام، فهذه الفئة هي مساحيق تجميل تنخرط في مسارٍ فائق السُّرعة يقفز بآلاف الأميال على الواقع الحقيقي والقاعدي للكرة المغربية، بل أقصد بالتحديد تلك الأندية المُمارسة في الدوري المحلي والتي تتعثَّر وتتخبَّط في مستنقعات لا صلةَ لها بما ننعته "جُوراً" احترافاً، وكذلك جماهيرها المحرومة من تذوُّق طعم اللُّعبة من موقع الحدث.
صَارت البطولة "الاحترافية" في المواسم الأخيرة مُرادفاً لكل ما يُمكن أن يُحيل على "الهواية"؛ أندية تسبح في بحرِ الديون بلا أُفق ومخرجات، لاعبون يركضون نحو لجنة النزاعات لاستخلاص حقوقهم المالية أكثر مما يَعدون على أرضية الملعب، جماهير تلجُ إلى المدرجات أسبوعاً وتُحظر من الدخول للميادين أسابيع معدودات، وسُمعة الكرة الوطنية تتجسَّد في آخر المطاف في هيئة صورة قاتمة تحجب أي بريق أو إشعاع.
حاولت بذل مجهود ذهني طيلة الأيام الماضية لأبحث عن دوافع وأسباب موضوعية تُبرّر قرار إقامة العديد من المباريات بـ"دون جماهير"، وخِلت نفسي أتوهَّمُ فقط أن "الويكلو" لازال حيّاً وشرايينه تتمدَّد داخل الدوري المحلي، خاصة حينما استحضرت أن المغرب مُقبل في غضون سنوات قليلة على استضافة نهائيات كأس العالم.
لكن ما إن انغمست في تأمُّل هذه الفكرة وشرعت في تجريدها مما حَسِبته وهماً وخيالاً، حتى اهْتزَّ هاتفي بإشعار يحمل قرارا بإجراء مباراة جديدة من الدوري "الاحترافي" بدون جماهير، عِندها فقط أدركت فَداحة هذا الواقع الكروي الذي يُخيِّم على الوطن، واستيقنت أن الجانب الخيالي من الفكرة هو احتضناننا كأس العالم سنة 2030.
لا أدري إن كانت فعلاً تتملَّكنا إرادة حقيقية للنهوض بالمُمارسة الكروية في هذا البلد، ذلك أننا نُنتج كل العناصر التي تتعارض رأساً وبشكل مباشر مع هذا المسعى، لازلنا نتقاعس رُبّما في أداء ضريبة ما يستلزمه الاحتراف من مُقوِّمات، ونتحاشى بذل تلك التضحيات التي يفرضها علينا ورش الإصلاح حتى لا نُغادر منطقة الراحة التي ألفناها.
بالحديث عن ظاهرة "الويكلو" ومنع الجماهير من الدخول إلى الملاعب، يُحيل هذا الموقف على إدماننا الاختيارات السّهلة وغير المُكلِّفة ظاهرياً، فإقامة المباريات بدون مناصرين يبدو بمثابة انسحاب من مواجهة واقعٍ كان ينبغي تدبيره بوسائل أفضل. تلك الجماهير التي تُشْهَر في وجهها ورقة المنع كان من الأولى تأطيرها وتشذيبها وتصويب سلوكاتها إن كانت لا تروقنا بما يُساعد على تسريع خطى الكرة الوطنية إلى الأمام.
أما "تشميع" أبواب المدرجات والإفراط في استخدام هذا الاختيار ليس سوى هروباً إلى الأمام وتعميقاً للأزمات المالية التي تُحاصر معظم الأندية الوطنية، فضلاً عن بَتْر اللُّعبة من المشجعين، الذين يُعتبرون من أهم مكوناتها التي ترسم جماليةً وتُضيف إليها بهاراتٍ تُضفي عليها خاصية التميُّز، وهو ما قد يُفضي إلى ضرب كرة القدم الوطنية في مقتل وجعلها كما هو عليه الحال تحتضر وتُكافح للاستمرار.
يملك المغرب زاداً وخبرات أمنية قادرة على تأطير أي انحراف يُمكن أن ينفلت داخل الملاعب، إن تم استنفار كل هذه التجارب التي راكمتها المملكة في هذا الجانب، وليس بِوُسع هذه الانفلاتات بأي حالٍ من الأحوال أن تتجاوز الرّصيد الأمني للمغرب بكل آلياته ومنهجيات عمله، لذلك يبدو الانسحاب من "معركة" نحن قادرون على كسبها بامتياز اختيارا خاطئاً في تقديري يدفع ثمنه كل المتداخلين.
الاستحقاقات والرِّهانات التي تنتظر بلادنا في السنوات القادمة تتطلَّب فتح جبهاتٍ على عدة واجهات، أبرزها تدبير الحضور الجماهيري في المرافق الرياضية وإرفاقه بالسلاسة في ارتياد هذه الأماكن، حتى تُصبح ثقافةً مُتجذِّرة نُساهم بها في بناء المواطن المُنتج والعاقل والمسؤول والإيجابي.