استئناف النشاط الكروي والتساهل في اعتماد "البروتوكول الصحي" .. مقامرة غير محسوبة العواقب !
تسكن كرة القدم حيزا شاسعا من وجدان المغاربة، فهي منبعٌ لأحاسيس متنوعة يعيشونها في مساحات زمنية قصيرة. في الألم كما الفرح، يهوى الكثيرون الانغماس في ما تُصدره هذه اللعبة من مشاعر يتقاذفها المد والجزر؛ لذلك تظل المستديرة منفذاً يبدو لا غنى عنه بالنسبة للعديدين؛ فهي القادرة ببهاراتها وتوابلها على الغوص بهم في عوالم لا يسبح فيها سوى العاشقون لها حد الجنون.
كان لقرار الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم باستئناف "البطولة الاحترافية" بكافة أقسامها رغم الهواجس التي تُمليها جائحة "كورونا" أبعاد متعددة، تنهل من الجانب النفسي الذي تآكل لدى جزء هام من المغاربة ليصبحوا في حاجة إلى ترياق يُحرِّرهم من سطوة الفيروس وتداعياته، وكذلك العامل الاقتصادي الذي يفرض عودة الكرة إلى الدوران كي تُنعش وضعية جميع المتدخلين فيها والمشتغلين في رحابها، فضلاً عن عنصرٍ رمزي يصبو لبث بعض الأمل بإمكانية رجوع الحياة وتجلياتها إلى طبيعتها.
في الحديث الصحفي الذي أعلن من خلاله فوزي لقجع نبأ النأي عن خيار الموسم الأبيض والعودة إلى الممارسة الكروية، شدّدَ رئيس الجهاز الوصي على اللعبة على أهمية التدابير الوقائية والإجراأت الاحترزاية التي يجب أن تُرافق "ورش" ضخ الحياة في "الجلد المدور" داخل المملكة، وبدا وهو يسوق حزمة من الإرشادات الصحية أن الجامعة تتوخى الحرص والصرامة في ترجمة شعاراتها الخاصة ب"البروتوكل الصحي"، حتى لا تشوب النموذج المغربي انزلاقات تمس صورته.
لكن البوْن لاح وظهر ساشعا بين النظري والعملي؛ فالحالات الإيجابية تسلّلت إلى الأندية الوطنية والإصابات تراكمت في صفوفها. وبالموازاة مع ذلك، تبدى بجلاء تراخٍ وغيابُ حزمٍ في التقيد بما أقرته جامعة الكرة في دليلها الصحي، وقد ارتسم ذلك على أندية وما طبع تداريبها وتجمعاتها من بعض "الاستهتار" والتقاعس عن اتخاذ التدابير الوقائية.
ما اعترى مقاربة الأندية في تعاطيها مع الوباء التاجي يضع الجامعة في المقام الأول محط مساءلة ولومٍ. لقد أعدّت وتبنّت برنامجاً صحياً لم تمضِ فيه قدما، فلا الفرق تنقّلت في حافلتين إلى تداريبها ومقابلاتها كما هو موصى به، ولا اللاعبون ظلوا بمعزل عن أسرهم وأقاربهم لغاية انقضاء المنافسات، لتبديد مخاطر الإصابة بالعدوى ونقلها إلى صفوف زملائهم والعكس صحيح.
الغاية التي وُجدت من أجلها الكرة بعيدة عن التسبب في المآسي والأقراح، وإلا أصبحت بلا جدوى ولا رونق يُلهم متابعيها ويشحنهم بالقيم الحميدة والمبادئ البنّاءة. هذا ما يبدو أن المسؤولين عنها داخل المغرب قد أغفلوه، وهم يُقاربون استئناف نشاطها بمنطق "التساهل" وغض الطرف والتجاوز حسبما يُجمع عليه غير قليل من المتابعين.
المشهد الذي وسَمَ مباراة وداد تمارة والنادي القنيطري قدّم نسخة هجينة مما كان يطمح إليه المغاربة، وأثبت فشلا لحد اللحظة في محاكاة الدوريات الأوروبية التي عادت لأجواء التباري. عرَّى اقتحام القوات العمومية للملعب وإشهارها لورقة "الفيتو" أمام استكمال المقابلة غياب الانسجام والترابط بين الهيئة الوصية على الكرة وباقي السلطات المسؤولة. ومن يتابع ذاك الحدث، كيف بوسعه أن يقتنع بأن ثمة تناغم وتوحُّد للرؤى في قضايا من هذا القبيل؟!.
قرارٌ بحجم إعادة الحركة للمسابقات الكروية داخل المملكة لا يقبل أنصاف الحلول، ولا تستقيم معه الارتجالية في استشراف السيناريوهات المستقبلية، بل يقتضي دراسة معمقة للوضع واستباق دقيق لما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
أمام المنحى الذي سلكته الحالة الوبائية بالمغرب في الآونة الأخيرة، يبقى القائمون على الكرة هنا ملزمون بإعادة النظر في أسس وأنماط تدبيرهم لعملية الاستئناف، ومدعوون إلى استيعاب حساسية المرحلة وما تتطلبه من خطوات مدروسة لا مجال فيها للصدفة والفجائية.
أي نعم، كرة القدم متنفسٌ يكسر طوق الإكراهات والمتاعب الحالية التي تحاصر الجماهير المغربية، وتنغص عليهم مجرى حياتهم، بيد أن ذلك لا يبيح المقامرة بأرواح العِباد بواسطة مقاربات يغيب عن الحزم والتقيد بما تُمليه معايير السلامة والحذر، مخافة قطع حبل الود مع هذا واستثارة غضب ذاك وفق حساباتٍ لا تتماشى مع التنزيل الصارم للتدابير المتخذة.