إلى بنعطية .. النجومية لا تُبيح المحظورات و"تضخُّم الأنا" يَقْتُل صاحبه قبل الآوان - El botola - البطولة

إلى بنعطية .. النجومية لا تُبيح المحظورات و"تضخُّم الأنا" يَقْتُل صاحبه قبل الآوان

أيوب رفيق (البطولة)
03 يوليوز 2020على الساعة15:30

النُّجومية لا تُبيح كل المحظورات، ولا تُشرعن انتهاكا لقواعد الاحترام، بل هِي وضعٌ نسبي وثقافةٌ يتشبَّع بها المرء كي يُسخِّرها لصالح الآخرين، وليس صِفةً تُتيح لصاحبها القفز على حواجز اللِّياقة والمواثيق الأخلاقية، وإلا صار فرداً يَشِعُّ بأضواء الشُّهرة التي تتوارى خلفها مناطق مُعتّمة من الهواية والانحطاط.


في الواقع، يحتاج بعض لاعبي الذين حملوا القميص الوطني في السنوات الأخيرة إلى اعتناق هذا المبدأ، والترجُّل قليلاً عن صهوةٍ تقودهم إلى أوهامٍ تُناقض الحقيقة، وتَنْفُثُ في "أنَاهم" أنفاساً من التضخُّم والاستعلاء، كأنهم من طينةٍ تفوق سائر البشرية.


لنتناول حالة المهدي بنعطية، الذي زاول في صفوف "الأسود" لحوالي 11 سنة، قبل إعلان اعتزاله الدولي في شهر أكتوبر من السنة الماضية. المدافع المُحترف بنادي ، صَرَخَ خارج أرضية الملعب أكثر مما زأر داخل المستطيل الأخضر، وظل على امتداد السنوات الماضية محطَّ نِقاشٍ وجدلٍ يصنعه من تلقاء نفسه، وليس في هذا أي تجنّي أو تحامل، إنما ركون إلى معطيات لا تخفى عن أي مُتابع.


في سنة 2018، وفي خِضم مشاركة المنتخب المغربي في نهائيات ""، خَرَجَ لاعب كليرمون فوت سابقاً عن طوعه، وضغط مُباشرةً بعد مباراة البرتغال الثانية على زنَّادٍ أطلق به تصريحات "عدائية"، دون أن يأخذ بعين الاعتبار حساسية المرحلة وواجب الفريق في الحفاظ على تماسكه ووحدته.


قال بنعطية، بُعيْد هزيمة رِجال الفرنسي هيرفي رونار، أنذاك، أمام رِفاق كريستيانو رونالدو: "هناك أشخاص يُشوِّشون على المنتخب الوطني، هم ليسوا من الجماهير أو رجال الإعلام، بل هم مقربون من المحيط، إنهم بمثابة دُمى متحرِّكة".


فَطِن الكثيرون إلى مقاصد التصريح الذي أدلى به اللاعب وأجمعوا على أنه رسالة مُشفَّرة إلى مساعد المدرب، مصطفى حجي. ودون أن ننبش في الخلفيات والحيثيات، نكتفي فقط بالإشارة إلى أن "الحماية الإعلامية" وطقوس "التقديس" التي استأثر بها المنتخب المغربي في السنوات القليلة الماضية، لم تنأى به عن السقوط في شرك الخلافات والتوترات والاحتقان بين أفراده.


فقد كان كُلَّما همَّ مُتابع أو فئة قليلة من الإعلاميين بالتنّبيه إلى الأعطاب التي تشوب نمط إدارة الفريق الوطني والعلاقات السائدة داخله، يُتَّهَمُ بأنه مُشوِّش لا يأمل خيراً لممثل الكرة المغربية، ويُناصب العداء له، حتى صار المنتخب من المُقدّسات التي يحظر مسّها، خصوصا اللاعبين الذين يشكِّلون "لوبياً" من إحدى الدول الأوروبية.


زلَّات بنعطية غزيرة وتكاد لا تُعد ولا تُحصى؛ ما إن وضعت حَرْبُه مع المحيطين بالنخبة الوطنية أوزارها، حتى أشعل فتيلَ معركةٍ أخرى مع وسائل الإعلام، إذ أهانها ووضعها جميعها في سلّة واحدة، واصفاً إياها بـ"الكارثية" وبنعوت أخرى يترفَّع المرء عن ذِكرها.


"بعض الإعلاميين يتعمّدون استفزازي ويتحدثون إلي في المؤتمرات الصحفية باللغة العربية، رغم عِلمهم بعدم إتقاني الحديث بها، إنهم يُريدون أن ينزعون مني وطنيتي"، يقول صاحب الـ33سنة، في إحدى خرجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل حواليْ شهريْن.


بينما يُوجِّه بنعطية نعوته وإهانته للإعلام المغربي، غاب عنه أن الصحافة الوطنية هي من ساهمت في صنعه، وهي من حرصت على مدار سنوات على تعقُّب أخباره، وتصوير مجاورته لأندية مثل يوفنتوس وبايرن ميونيخ وروما على أنها إنجازات خارقة تبعث المغاربة على الافتخار، فكم من مقال وتقرير نُشر في هذا الموقع يُشيد باللاعب حينما يُبدع ويَبرع، مثلما صدرت هنا أيضاً مواد إعلامية تصف ما حدث عندما يظهر المغربي باهتاً على رقعة الميدان، في موضوعيةٍ يبدو أن الأخير لا يُحبِّذها، ذلك أنه اعتاد على من يُذاهنه ويلعق حذاءه.


أتساءل إن كان بنعطية يمتلك الشّجاعة الكافية ليقول في الإعلام الفرنسي ما قاله في الصحافة الوطنية، ويتحدَّث بمنطق "التّعميم" عن المُمارسة الإعلامية في هذا البلد الأوروبي. حتماً هو لن يستطيع، لأنه دأب على الضّرب في الجبهات التي لا حول لها ولا قوة، وليس تلك التي تحوز سلطة تُمكِّنها من الذهاب إلى أبعد مدى في الدِّفاع عن موقفها وسُمعتها.


لا أدري في الواقع المعايير التي صنَّف بها مدافع أودينيزي سابقاً الإعلام بأنه "كارثي"، ربما ينتظر من الصحافة مديحاً دائماً وتهليلاً لا مُنتهياً حتى يُبدي رضاه عنها، حيث يحسب أن رجال الإعلام ليسوا سوى آلات ودُمى يُمكن تحريكها بأدنى مجهود، والحال يختلف عن ذلك، ولا يستقيم إسقاط الأمر على كافة الإعلاميين، حتى لا يقع المرء في فخ "التعميم".


اللاعب الذي توسَّم فيه المغاربة خيراً وظلوا يُساندونه ويؤازرونه في محطاته الاحترافية، نشر مقطع فيديو وهو يُدخِّن "الشيشة" في تحدٍّ سافر للجميع. وبدل أن يُشكِّل نموذجاً للناشئة ويرسم صورة ناصعة عن نفسه بأخلاقه وتصرفاته، تمادى المغربي في "حماقاته" وأَشْهَر ورقة التحدِّي أمام الجميع، كأنه الأقوى ولا أحد قادرٌ على مُقارعته.


قبل أن يُواصل بنعطية حملاته التبخيسية، ونظرته "الاستشراقية"، لا بأس من استحضاره أن المنتخب المغربي هو من أظهره للعامّة، ومن انتشله من ظلمات "دوري الدرجة الثانية الفرنسي" ليَطفو به على سطح المشهد الكروي، حينما كان يُمارس اللاعب في فريق متواضع "حالياً" إسمه كليرمون فوت، لعلّ ذلك يُساعد الدولي المغربي السابق على ترتيب أوراقه والعودة إلى جادة الصواب.

طاغات متعلقة

أخبار ذات صلة