جماهير الجيش الملكي
في عصر الانفتاح والعولمة .. الجيش الملكي يسبح ضد التّيار ويُفضِّل الانغلاق
يمضي نادي الجيش الملكي في اتِّجاهٍ يُناقض ما حمِله عصر العولمة من ثورة تكنولوجية وتداول سريعٍ للمعلومة. يوم قرّر الفاعلون في الكرة العالمية كما الوطنية، الانفتاح على الآخر، واقتحام الفضاءات التي تؤثِّثُها الجماهير، ارتأى الفريق العسكري أن ينكفئ على ذاته، وينزوي في رُكنٍ بعيد عن العامّة.
جمَّد الـ"AS FAR" نشاط حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، وأغلق تلك النافذة الضيقة التي كان يطل منها المناصرون على أحوال فريقهم. اعتمد إداريو النادي مبدأ "كم حاجة قضيناها بتركها"، وسحبوا حضور "الزعيم" من العالم الافتراضي، مُؤْثِرين الهدوء والسكينة على هدير الانتقادات التي تُكال إليهم من طرف جماهيرهم.
نظرة القائمين على الفريق العسكري إلى التّواصل والتسويق يغيب عنها الود والاعتراف بالأهمية، فقصور النادي وسُباته في هذا الجانب لا يرتبط بالإمكانيات المادية أو اللوجيستيكية، بل يتعلق أساساً بقناعة يعتنقها مُدبِّرو النادي، قِوامها أن النزول إلى الأنصار والتقرب منهم ليس سوى ترفاً قد يُجرّد المؤسسة من هيبتها، وهي التي لم تدأب على بناء صلات وروابط القُرب من المشجعين.
يجدر الإقرار بأن الطبيعة الخاصة لكيان الجيش الملكي تجعل خطواته محسوبة على صعيد العلاقات المنسوجة مع الأطراف الأخرى، لكن ذلك لا يُبرِّر على الإطلاق عدم تمتيع الجماهير بحقها في الوصول إلى المعلومة، والامتناع عن إطلاعها على ما يدور داخل البيت العسكري، إذا كان التواصل بالصيغة المُعتمدة لدى أندية أخرى غير مُمكن.
التاريخ لم يعد المُحدِّد الوحيد لحجم الشّعبية التي تحظى بها الأندية، ولا حتى النتائج المُحقَّقة على أرضية الملعب أصبحت وحدها كافية لمُراكمة الزّخم الجماهيري، إن ذلك لا يستقيم دون حضور وازن وفعال في المنصات الافتراضية. تدوينات ومنشورات تتسم بحسٍّ عالٍ من الإبداع على المواقع الاجتماعية يُمكن أن توازي تتويج الفريق بلقبٍ من الألقاب على المستطيل الأخضر من حيث التأثير والانتشار، فالزّمن زمن ما هو افتراضي ورقمي، ولمُسيِّري الجيش استيعاب هذا المعطى والاحتكام إليه في مقارباتهم.
بينما يغُطُّ الجيش الملكي في سباتٍ عميق على المنصات الرقمية، تستنفر أندية أخرى كافة الأدوات المكفولة لها لتعزيز شعبيتها وتطوير منسوب الجماهيرية التي تستأثر بها. لقد أناطت هذه المهمة بمجموعات تشتغل على مدار الساعة واليوم لإضفاء البريق على صورتها، إذ تتواصل وتُجيب وتفتح مجالات للنقاش مع أنصارها، بشكل يهدم أي فجوة من الممكن أن تتشكَّل بين الفريق ومشجعيه.
تبدو الكتيبة العسكرية بعيدة، لحدود الآن، عن استثمار القاعدة الجماهيرية التي تحظى بها، كما الوسائل والتقنيات التي تُتيحها الفضاءات الرقمية، ليُهدر بذلك النادي فرصة مُراكمة شعبيته وفرض وجوده داخل المنظومة الكروية من حيث الحضور بوسائط التواصل الاجتماعي.
الاحتراف جزء لا يتجزأ، هو مبدأ لا يقبل المُساومة وأنصاف الحلول، لذلك إذا كان إداريو الجيش يطمحون إلى تجويد المنتوج العام للنادي، فعليهم أن يسعوا إلى ذلك في جميع المناحي، لا أن يتم الاشتغال على جانب ويُهمل آخر، عندها سيكون المرء بصدد "سكب الماء في الرمل"، دون أن يحصد أدنى ثمار أو نتيجة تُذكر.
يستحق النادي الذي عبرَ منه نجوم وأساطير مثل محمد التيمومي وعبد السلام لغريسي واقعاً أفضل بكثير مما يعيشه في الوقت الحالي، على الأقل من أجل جماهير مُتعطّشة تجلّدت لأكثر من عشر سنوات وقاومت مرحلة الجفاء والانتكاسات وظلت صامدة في مؤازرتها لفريقها المفضل.
ما جرى ذكره ينسحب كذلك على أندية مغربية أخرى لا تولي أهمية لعنصري التواصل والتسويق، وتترك مناصريها وسط عتمة لا تدري معها أي جديد يدور داخل فرقها، بشكل لم يعد يتماشى البتة مع عصر الحدود المُخترقة والثقافات المتلاقحة.