المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة
مقال رأي/ منتخب "الفوتسال" يواجه ضريبة رفع سقف الطموح والضغّط الذِّهني يُقلّص إمكانيات المجموعة
قبل حوالي 12 سنة، أنشأ مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، هشام الدكيك، رحلةَ بناءٍ من العدَم تقريباً، وُضعت لبنات رياضةٍ كانت إلى وقتٍ قريب مُنزويةً في الهامش، بِسواعد الناخب الوطني التي التحمت مع قابلية الجامعة الملكية المغربية للدّفع بهذه اللُّعبة إلى الأمام، ومن هناك انطلقَ المسارُ من قعر الصعوبات والإكراهات إلى ما يُقابله من نجاحاتٍ ومُكتسبات.
دخل "أسود القاعة" منافسات كأس العالم الحالية "أوزبكستان 2024" حاملين على عاتقهم رِهانات كبرى وآمالا لا حدود لها، وما يواجهونه الآن من بعض الانتقادات المشروعة حول الأداء ليس سوى ضريبةً لرفعهم سقف الطموح في غضون سنوات قليلة، وتوسيع آفاق المغاربة الذين وجدوا في هذه المجموعة ما يُضمِّدون به جراحهم من فرط الانتكاسات التي غمرتهم من رياضات أخرى.
حقّق ممثلو "الفوتسال" المغربي الانتصار في أول مقابلتيْن وحجزوا مُبكِّرا بطاقة العبور إلى ثمن النهائي، بَيْد أن ذلك لم يشفع لهم ولم يُحصِّنهم ضد المؤاخذات التي سجّلها المناصرون المغاربة، الذين يستندون في ذلك إلى منطق المسار التصاعدي الواجب، والذي لا ينبغي أن تشوبه ارتدادات وانحرافات، ما دام أن المنتخب الوطني قد دأب على الانتقال من الحَسن إلى الأحسن في هذه السيرورة المُمتدة لأكثر من عِقدٍ.
لكن ما يُمكن قوله في هذا السّياق هو أن مُعادلة النجاح ليست بهذه البساطة التي يُمكن تخيّلها، فهي ليست عملية حسابية أو علمية ستُفرز لنا بشكل طبيعي نتيجةً بناءً على عناصر محددة، بل في اعتقادي الخاص هي منظومة متشابكة ومُعقّدة مُهدّدة بالانزياح عن خطِّها الصحيح عند افتقادها لأدنى مُكوّن مهما كان بسيطاً.
لست هنا بصدِد استعراض مُسوِّغات هدفها الدّفاع عن موقف المنتخب المغربي لـ"الفوتسال" الآن، لن أتحدّث عن التّضحيات التي بذلها الدكيك بموارد ذاتية في البدايات والمجهودات التي سُخِّرت في سبيل انتشال رياضة طالها التجاهل والنّسيان قبل سنوات، ولا عن التَّسلُّق السريع في سُلّم اللُّعبة رغم أنها لازالت في خانة "الجنين" داخل المغرب على المستوى القاعدي، إذ تحثُّ البطولات المحلية خطواتها الأولى سعياً إلى الاحتراف.
غير أنه ما يبدو لي محموداً في الظرفية الحالية هو تأطير مشوار المنتخب المغربي في المونديال الحالي بالسِّياق الرّاهن، الذي تتخلّله مطبّات تواجه "أسود القاعة" أبرزها الإصابات التي بترت المجموعة من عناصر أساسية على رأسها الثنائي بلال بقالي ويوسف جواد، اللذيْن لم يُشاركا في المسابقة منذ بدايتها، إلى جانب إصابة عثمان الإدريسي بعد انطلاق المنافسة.
رغم ذلك، لا يجد المرء عِند قراءته لظهور كتيبة الدكيك في المباريات الثلاث الأولى بُدّاً من رصد الحضور الذهني للمجموعة منذ بداية المسابقة. لقد بدا جليّا أن اللاعبين مُكبّلون بضغوطات تُعطّل إمكانياتهم الفنية وتُفرمل تدفُّق تركيزهم، وهذا ما يُمكن أن يؤاخذ على الطاقم التقني الذي لم ينجح لحدود الآن في تحرير اللاعبين وإزاحة ما يحملونه على عاتقهم.
يقف المنتخب المغربي لـ"الفوتسال" الآن أمام حتمية مجاراة سقف الطموح الذي رفعه في العشر سنوات الأخيرة، وتوسيع شهية الجماهير المغربية التي يظل من حقّها المُطالبة بالأفضل، فلا الصعوبات ولا الإكراهات الماثلة تفرض على المناصرين المغاربة التفهُّم، بل ينبغي ابتكار حلول وتجاوز مكامن الخلل التي تُفضي إلى ما شاب مردود الأسود في هذه المباريات.
نهائيات كأس العالم هي بمثابة معارك تُدبَّر كل واحدة منها على حِدة، وتتطلّب النّفس الطويل والتفاعل السريع مع ما يُستجدّ، لذلك يظل قوس الأمل مفتوحاً ما دام المنتخب الوطني مستمراً في المسابقة، ورُبّما تدقُّ هذه الهزيمة جرس الإنذار وتفرض على كل مكونات المجموعة الاهتداء إلى حلول والانبعاث من جديد واستئناف مسار التألق.