
خاص: إ.العلوي (البطولة)
المغاربة ودُروسٌ من أزمة "كورونا" .. الاهتمام بالتَّعليم ومُضاعفة الإنفاق على الصِّحَّة وتثمين روح التَّضامن
لن يَمضي فيروس "كورونا" الذي يُكَابِدُهُ العالم دون أن يُخلِّف آثاراً وتداعيات؛ هذه مُسَلَّمة أصبحت راسخة لدى الجميع. ستتغيَّرُ القناعات وتنقلب الموازين، وتتراكم القراءات التي ستُفردها البلدان والمُنتظم الدولي بِرُمَّته لِما جاء به هذا الوباء المُصنَّف من طرف "منظمة الصحة العالمية" كـ"جائحة".
في المغرب، شَرعَ الكثيرون سلفاً في استخلاص الدُّروس، والوقوف على العِبر التي يُمكن استنباطها من فيروس بصدد خلخلة المُعادلات في شتى المجالات، ويكاد يُجمِّد الحركة البشرية في مُعظم أرجاء المعمور. أدرك المغاربة ماهية الجوهريات، وأصبحوا على درايةٍ بما هم في أمس الحاجة إليه، واضعين خطَّاً فاصلاً بين التَّرف والأساس.
في هذا التَّقرير، استعراض لأبرز الرَّسائل التي بعثها لنا "كوفيد19"، أفراداً ومُجتمعاً ومؤسسات، وما ينبغي استنتاجه من الوباء، بِغرض الاستمرار، بوتيرة أسرع، في تعبيد الطَّريق نحو الازدهار الذي ينشده الجميع، وإحراز التَّقدُّم ورفع درجة الرُّقي والوعي.
مُضاعفة الإنفاق على الصِّحة
هو الجِدار الأول الذي ينْتَصِبُ في مواجهة فيروس "كورونا"، يُسخِّر كافة إمكانياته ويستنفر جميع أدواته في سبيل التّصدي للمرض. الآن فقط، تبرز أهمية تلك الصَّرخات التي دأب العديدون على إطلاقها، فيما مضى، من أجل نجدة هذا القِطاع وإصلاحه.
في خريف السَّنة الماضية، تقدَّم نائبان عن "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، هما عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، بمقترحٍ لتعديل مشروع قانون المالية يقضي بالرَّفع من ميزانية قطاع الصحة. ما نادى به النَّائبان "اليساريان" سُرعان ما اسْتكان للرفض، وقوبل بعدم تأييد "ممثلي الأمة".

ظلَّ المغاربة على امتداد السَّنوات الماضية يُبدون "تطبيعا" يكاد يكون كاملاً مع ما يشوب ميدان الصِّحة من إكراهات، من تجليات ذلك لجوء الطبَّقة الوسطى الهشَّة على تواضع قدراتها المادية إلى المصحَّات الخاصة، درءاً للاكتواء بـ"نار" المستشفيات العمومية، التي اكتسبت سُمعة قاتمة وصيتاً سلبياً داخل المُجتمع.
لم تُخصَّص لقطاع الصَّحة في قانون المالية الخاص بالسنة الجارية سوى ما يُناهز 19 مليار درهم، في وقتٍ ظلَّت فيه العديد من الأصوات تتعالى مُطالبةً بزيادة هذا الرقم. وصدَّ وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، تعديلاً أجراه مجلس المستشارين لإحداث ألف منصب شغل إضافي في القطاع هذه السنة، مُستعيناً بالفصل 77 من الدستور الذي يُتيح له الحق في عدم تمريره، إذ اعتبر أن 4000 ألف منصب شُغل إضافي كافٍ لتلبية حاجيات الميدان الصحي.
تطوير التعليم والبحث العلمي
أثبتت الأزمة الصحية التي يمر منها العالم أن التَّعليم والبحث العلمي يُمثِّلان سنداً للدول في كافة الأوقات العصيبة. بمجهودات فردية، وبحسٍّ مواطناتي، سارع مُبتكرون مغاربة إلى تصنيع وتصميم أجهزة للتنفس الاصطناعي، بُغية تعزيز الجانب اللوجستيكي لمواجهة الفيروس التاجي.
يحدث هذا والمغرب يُنفق ميزانية ضئيلة للغاية على البحث العلمي، رغم الدَّعوات المتجددة إلى تشجيع هذا الميدان، كونه رافداً أساسياً لأي منظومة كانت، وعُنصراً هاماً في أي نهضة، وهو ما أكّدته الكثير من البلدان التي انطلقت من هذا الورش وبَنَت عليه تقدُّمها.

ذات القاعدة تنطبق على قطاع التعليم، الذي شهدَ "نكوصاً" و"تراجعا" ملموساً في السنوات الأخيرة، حسب شهادات عدة مُتدخِّلين، حيث فُقِدت الثِّقة في المدرسة العمومية واتَّجهت الأسر إلى المدارس الخاصة كحلٍّ لا مفر منه، مُقتطعةً قسطاً من أجرها على هزالته من أجل تأمين ظروف جيدة لتعليم أبنائها.
ويرى العديدون أن الوقت قد حان كيْ تضع الدولة يدها بشكل فعلي على مَرفق التعليم، وتنشغل بتجويد التّلقين بما يستجيب مع ما يحتاجه سوق الشغل، وبما يخدم التلاميذ والطلبة على الإبداع والخلق وتقديم خِدمة للمجتمع.
تثمين روح التّضامن والقيم المجتمعية
كرَّس فيروس "كوفيد19" أهمية المنظومة القيمية داخل المجتمع، وبعث روح التآزر والتلاحم من جديد في الجِسم المغربي، فقد أظهر المغاربة قابليةً لمد يد المساعدة لبعضهم البعض، مُتكتِّلين في مواجهة "العدو الخفي" الذي أصاب مئات الأشخاص داخل أرض الوطن.
وانبثقت مبادرات تضامنية بالجملة لتعضيد وإسناد الفئات المعوزة، سواء مؤسساتياً أو فردياً، وهو ما جعل مداخيل الصندوق الذي أُحْدِث لمواجهة "جائحة كورونا" تفوق 30 مليار درهم، تم تصريف جزء منها في تقديم إعانات للفئات الهشة والفقيرة مادياً.

ويأتي وباء "كورونا" ليُعزِّز من تماسك المجتمع المغربي والتفافه في الأوقات واللحظات العصيبة، وهو ما ينبغي تثمينه والحرص على استمراريته، بهدف تقوية الأواصر والروابط المجتمعية التي تلعب دوراً بارزاً في المنحى الذي تسير عليه الأمة.
ويبدو أن هذا الاختبار سيُساهم في تعزيز مناعة المجتمع ضد الانشقاقات وأي نزعة فردانية بإمكانها أن تزيغ به عن مساره، وسيجعل من الوطن مساحةً تَسَعُ الجميع، تنصرف فيه كافة الحساسيات والأطياف إلى التشبث بالمشترك.