العنصرية في ملاعب الكرة .. "تطبيعٌ" مع الظاهرة و"تقاعسٌ" مؤسساتي عن مكافحتها - El botola - البطولة

أرشيف

العنصرية في ملاعب الكرة .. "تطبيعٌ" مع الظاهرة و"تقاعسٌ" مؤسساتي عن مكافحتها

أيوب رفيق (البطولة)
24 فبراير 2020على الساعة21:24

بين صَمْتٍ يكاد يكونُ مُطبقاً من طرف المؤسَّسات الوصية، وجدلٍ يتَصَاعَدُ مسنوداً بالأحداث ثم يَخْفُتُ صداه ويخبو مع تعاقب الأيام، تأخذ "العُنصرية" في التجذُّرِ ضمن مفاصل كرة القدم الأوروبية، وتسجيل حضورها في المباريات وعلى هامشها، مُشكِّلةً امتداداً للتوسُّع الذي تُحرزه هذه الظاهرة داخل المُجتمعات وقابلية العديدين للتَّطبيع معها دون أدنى حِراك.


في الدوريات الأوروبية التي تَغْشاها مشاهد "النجومية" والأموال الضخمة المُتناثرة والتجهيزات والمرافق الباعثة على الانبهار، تحثُّ الممارسات العنصرية خُطاها في مسارٍ لم تنفع معه تنديدات "الضَّحايا" ولم تَكْبَحْهُ إدانة فئة من المُتابعين، لتستمر بذلك في الاستشراء والتفشِّي واكتساب طابع "النمطية" باستيعابها كسلوكٍ يندرج في إطار ما هو "روتيني" من طرف البعض.





"العُنصرية انتصرت، الجُناة بإمكانهم دوماً العودة إلى الملاعب، وهو ما يُثبت أن هؤلاء الأشخاص قد فازوا وكسبوا الرِّهان"، يقول أنتوني روديغر، مدافع تشيلسي الإنجليزي، مُحمَّلاً بتشاؤمٍ وخيبةِ أملٍ جراء استهدافه بصيحات وحركات مُحاكية للقرد، شهر دجنبر الماضي، من طرف فئة من أنصار توتنهام، داخل ملعب الأخير، ضمن مسابقة "الدوري الإنجليزي الممتاز".


الدولي الألماني الذي شجبَ وأرغى وأزبد في تصريحاته لوسائل الإعلام وخرجاته بالمواقع الاجتماعية عقب المقابلة، لمْ ينْعَم بـ"رد اعتبار" حسبه بعد كل ما حدث، إثر إعلان إدارة نادي "السبيرز" لعدم وجودها أي أدلة وآثار تشي بإصدار جماهيرها لتصرفات عنصرية، بناءً على ما قالت إنه فَحْصٌ جرى بكاميرات المراقبة لكافة المشجعين الذين ملؤوا مدرجات ملعب "توتنهام هوتسبر".


تَسْليمٌ بـ"خجلِ" التدابير المتخذة لمكافة "العنصرية"


يَسُودُ انْطِباعٌ راسخ لدى البعض وأولي عند البعض الآخر عن أن العنصرية لا تُقابَلُ بحزمٍ شديد من طرف الاتحادات الكروية والقارية، إذ تظل ردود الأفعال الرَّسمية مقتصرة على الشِّعارات ومُنحصرة بين البنود وفصول القوانين التي لا تجد سبيلها إلى أرض الواقع، مما يُشكِّل وفق العديدين أرضيةٍ خصبة لتناسل هذه السلوكات والأفعال.


وهنا يُشدِّد ليليان تورام، الدولي الفرنسي السابق، على أن الإرادة تَعُوزُ المسؤولين للإجهاز على الظاهرة، ويُضيف في تصريح نقلته صحيفة "ليكيب" بالقول: "أن لا تقوم بأي شيء تُجاه ما يحدث فهو مُرادفٌ للاتفاق مع ذلك وتشجيع مُقترفي العنصرية على المزيد. حين يُزعجك شيء ما، فإنك تبذل كل ما في وسعك من أجل تغييره".


ويُردف المتوج بـ"كأس العالم" و"كأس أمم أوروبا" رفقة "الديوك" سنتيْ 1998 و2000 أن الأندية والهيئات الفرنسية تنتفض وتثور ضد ما يُناهض "المثلية الجنسية" داخل الملاعب، وتذهب إلى حد إيقاف المباريات، غير أنها تُقدم على خطوات موسومة بالخجل والضُّمور فيما يرتبط بالممارسات العنصرية.


ما يتبنَّاه تورام إزاء ما بات "وباءً" عصي على المُعالجة يتشاطره لاعبون ونجوم آخرون ما فتئوا يستنكرون هذه الثَّقافة، ومنهم من يؤكِّد على ضرورة المضي بعيداً في مكافة "العنصرية" والتعاطي معها بصرامة بالغة، على غرار توماس مونيي، ظهير نادي باريس سان جيرمان، الذي قال إنه "يجب الضرب بيد من حديد في هذا الجانب دون أدنى نقاش"، مُستطردا: "بليز ماتويدي تعرض لهذا الفعل الشائن الموسم الماضي والاتحاد الإيطالي لكرة القدم لم يتدخَّل، على الأندية التي تُدير الجماهير أن تتحمَّل مسؤوليتها وتطرد هؤلاء الأشخاص المتعصبين مدى الحياة".


المسؤولية مُلقاة على المؤسسات والهيئات الوصية


إذا كان القِسط الأكبر من المسؤولية مُلقى على عاتق الأشخاص الذين يُلطِّخون رَوْنَقَ المستديرة ومبادئها وقيمها التي تحثُّ على الاحترام والتعايش والتآلف، فإن الاتحادات الكروية القارية والدولية تحتفظ بنصيبها مما آل إليه الوضع، نتيجة التَّفاعل غير الحازم مع التصُّرفات التي تزيغ عن النص وتنحرف عن الوحدة والروح الرياضية بين الأطراف.


ويتحدَّث فينسنت كومباني، قائد مانشستر سيتي سابقاً ولاعب- مدرب أندرلخت حاليا، بلهجةً حادَّةٍ عن إذعان الجهات الوصية واستكانتها لزحف هذه الظاهرة. الدولي البلجيكي يقول: "الإشكال يكمن في الهيئات والمؤسسات والأشخاص الذين ينبغي عليهم اتخاذ قرارات في هذه الملفات. العنصرية الحقة هي أن لا يُدرك ويتفهَّم أي شخص داخل هذه المنظمات ما يعيشه روميلو لوكاكو (مهاجم أنتر ميلان)".


"إنَّنا نتعامل مع صُناع قرار يقولون له ما يجب أن يفعله ويتفوَّه به، والحال أن ليس لديهم أي فكرة عما عاشه ويجترّه في حياته. إذا ما اطَّلعت على هياكل وتشكيلات الاتحاد الأوروبي أو الدولي أو الإيطالي والإنجليزي، فإنك ستلاحظ أنها تخلو من التنوُّع العرقي، لذلك فالقرارات المتخذة لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى العقوبات"، يُتابع كومباني.


ويُعتبر روميلو لوكاكو، المنضم إلى إنتر ميلان قادماً من مانشستر يونايتد في الصيف الماضي، من أكثر اللاعبين استهدافاً بالسلوكات العنصرية من قبل الأنصار، مثل مباراة كالياري شهر شتنبر المنصرم، أثناء وبعد تسديده ضربة جزاء، وسقوطه فريسةً لـ"هُتافات القردة" من طرف مشجعي الفريق الخصم.


منظومة تعتمد "العنصرية" "نمط عيشٍ" و"أسلوباً للتعَّبير"


وفي الوقت الذي انتظر فيه المهاجم البلجيكي مُؤازرة من طرف المتدخِّلين في المنظومة الكروية، وكذلك جماهير فريقه ومؤسسة ناديه، دَبَجَ فصيلٌ مُساندة لإنتر ميلان بياناً على هيئةِ رسالة مفتوحة مُوجَّهَةٍ للاعب تؤكد فيها أن ما اعتبره لوكاكو "عنصرية" في حقه، لا يُعد "عنصرية" داخل إيطاليا، ذلك أن هذه الأفعال جائزة ومُباحة وتُستخدم من طرف الأنصار للتشويش على لاعبي المنافسين.


وبعد أن رأى العديدون أن مشجعي الإنتر تكالبوا على لوكاكو واصطفوا ضِدَّه "انتصاراً" لفعلٍ عُنصري، التقطت صحيفة "كورييري ديلو سبورت" الإيطالية الخَيْطَ وفرَّغت شحنات من هذا القبيل في مجال اشتغالها؛ والمُستهدف لمشيئة الأقدار مهاجم مانشستر يونايتد السابق كذلك، إذ وضعت الجريدة صورةً له إلى جانب الإنجليزي كريس سمولينغ على صدر صفحتها، مُعنونةً إياها بـ"البند العريض" بـ: "الجمعة الأسود"، في إشارة إلى بشرة اللاعبيْن وربطها بموعد المقابلة بين الإنتر وأيس روما.





من جانبه، يُفضِّل إيفان يوريتش، مدرب هيلاس فيرونا، الانضمام إلى "حِلفِ" و"تيارِ" المستهينين بخطورة الظاهرة، عقب تأكيده على أنه لم يسمع أي صيحات عنصرية في مباراة فريقه أمام بريتشيا، والتي كان ضحيتها الدولي الإيطالي ماريو بالوتيلي، مُشيراً إلى أن ما تناهى إلى مسامعه صافرات استهجان ومعاكسة فقط، في وقتٍ جَزَمَ فيه العديدون بوقوع تلك الأحداث خلال المقابلة.


ورغم أن الهيئات الوصية أطلقت حملات اعتبرتُ "خجولة" لمكافحة السلوك، مثل "اليويفا" و"الفيفا"، إلا أن منسوب التَّعبئة لم يشمل كافة المتدخلين، ذلك أن ثمة لاعبين ومدربين لا يدرون كيف يتعاملون مع الظاهرة، مثلما يقول باتريك فييرا، المدير الفني لنيس الفرنسي: "ليس هناك تعليمات وتوجيهات صادرة من اليويفا أو الفيفا بشأن صورة تعاطينا كمدربين ولاعبين مع العنصرية"، بينما يكشف مدرب ستاد ريمس دافيد غويون قائلاً: "إن هذه الظاهرة لا تشكل محور أحاديثنا كفاعلين (لاعبين ومسؤولين ومدربين)".


وأقرَّ الاتحاد الأوروبي في وقتٍ سابق "بروتوكولا" يتضمَّن ثلاث خطوات للتفاعل مع الأفعال العنصرية، تنطلق من نَهيِ الجماهير عن إصدار هذه السلوكات وتمرٌّ بإيقاف المباراة مؤقتاً وتصل إلى إيقافها بصورة نهائية في حال استمر ذلك، مثلما حدث في "دوري الدرجة الثانية الفرنسي" شهر غشت الفارط بين فريقيْ نانسي ولومون.

طاغات متعلقة

أخبار ذات صلة