تقرير خاص | التَّدخين .. ظاهرة تسلَّلت إلى الجِسم الكروي وسَكَنَتْهُ - El botola - البطولة

بعض النجوم الذين رُصدوا وهم يدخنون

تقرير خاص | التَّدخين .. ظاهرة تسلَّلت إلى الجِسم الكروي وسَكَنَتْهُ

أيوب رفيق (البطولة)
11 شتنبر 2018على الساعة20:38

أيوب رفيق (البطولة)

ولو أنَّهما قد يبدوان للوهلة الأولى نقيضانِ لبعضهما البعض، إلا أن كرة القدم والتَّدخين ثُنائية يتعايَشُ معها العديد من لاعبي كرة القدم المُحترفين. في أوروبا، كما في القارات الأخرى، ثمَّة مُدمنون ومواظبون على هذه العادة بصورة يومية، وهناك أسماء اعتادت نَفثَ دُخَّان "السَّجائر" أو حتَّى "النرجيلة" بين الفينة والأخرى، رغم النُّجومية التي بلغتها في عالم المستديرة.


المَنْطِقُ يُحيل على علاقة تنافر وتباعد كانت يجب أن تفصل بينَهُما، لكن ما تَنْطِقُ به "الكواليس" والأرقام، وما يُفصح عنه بعض النجوم يُثبت أن مُمارسة اللُّعبة في أعلى مستوياتها قد لا يكون كافياً ليَقِيَ اللاعب من الوقوع في شِراك هذه "الآفة المُجتمعية"، حتَّى لو كانت الكرة ذات حمولة رياضية وتربوية.



"إنني متأكد من وجود بعض الرياضيين المرموقين الذين يُدخِّنون، لكنهم ليسوا مثالاً أو نموذجا يُحتذى به، من الأفضل أن لا تُدخِّن"، يقول ، المدرب السابق لنادي ، مُعترفا بتسلِّل هذه الظّاهرة إلى الجِسم الكروي، وهو الذي تصادف خلال مسيرته رفقة "الغنرز" مع إشرافه على أسماء رصدتها عدسات "الكاميرات" في "المحظور"، مثل والحارس فويتشيك تشيزني.


في سنة 2015، أجرى "الاتحاد الدولي لجمعيات اللاعبين المُحترفين" دراسةً خَلُص فيها إلى أن 4 في المئة من اللاعبين المُمارسين داخل نِطاق الاحتراف يُدخِّنون، كما أن 38 من المئة منهم عانوا أو يُعانون من اضطرابات نفسية، وذلك بناءً على عيِّنةٍ ضمَّت 607 لاعبٍ في أنحاء مُتفرِّقة من العالم.


ما قبل التسعينيات .. "موضة شائعة"

إذا كانت الحِقبة الحالية تُدينُ تعاطي فئة من اللاعبين للتَّدخين، فإن ماضي كرة الُقدم يشهد على تطبيعٍ تامٍ مع هذه المُمارسة. لقد كان تدخين المدربين في دكة البدلاء أو لاعبيهم ما بين الشَّوطيْن مشهداً مألوفاً لا يستفزُّ الكثيرين، بل ذهب الأمر إلى ظهور بعض النجوم في إعلاناتٍ لشركات مُصنِّعة للسَّجائر.



اعتُبِر الراحل يوهان كرويف من أشهر النجوم الذين كان يُفرطون في التَّدخين. حتى في المقابلات الرَّسمية والهامة، كان النجم الهولندي السابق يُشعل فتيل سجارات مُتعدِّدة ما بين جولتيْ المباريات. في أولى مقابلاته كلاعب رفقة ، دخَّن سيجارة ما بين الشوَّطين وهو في الممر المؤدي إلى مستودع الملابس، دون أن يعبأ إنْ كان الإعلام يُشاهده.



غاي رو، المدرب الفرنسي السابق لنادييْ أوكسير ولانس، يُبرز في هذا الصَّدد الحيِّز الذي كان يحتله التَّدخين بين اللاعبين في الستينيات من القرن الماضي، بقوله: "حينما بدأت مسيرتي التدريبية سنة 1961، أكثر من 70 في المائة من اللاعبين الذين يفوق سِنُّهُم 25 سنة كانوا يُدخِّنون".


ومع تزايد التَّوعية بمخاطر التَّدخين في العِقد ونصف الأخير، صار هذا السُّلوك في الوسط الكروي بمثابة "طابو" لا يجرؤ الكثير من اللاعبين على تكسيره، والاعتراف به، حتَّى لو كانوا مُدمنين، باستثناء قِلَّة قليلة من الوجوه التي هَدَمَت جِداراً سميكاً من الصَّمت وأقرَّت به سواءً يومياً أو دورياً.



هذه الانعكاسات السِّلبية و"المُدمِّرة" التي يُلقي بها هذا السُّلوك على صِحَّة الإنسان دفعت الأسطورة الهولندية كرويف إلى القول: "في حياتي، كنت مُدمناً على شيئيْن، لعب كرة القدم والتَّدخين، الأولى منحتني كل شيء والثاني انتزع مني كل شيء. لا يُمكنني التَّدخين نهائيا، إذا واصلت ذلك، سأهلك"، يتحدث الهولندي الراحل عن إنهاء إدمانه سنة 1991، بعد العملية الجراحية التي خضع لها على مستوى القلب.


التَّدخين واللاعبون .. اعترافاتٌ و"انْكِشافٌ"

رغم البَوْن الشَّاسع بين الماضي والحاضر حول مشاهد وتجلّيات هذه الظاهرة في عالم كرة القدم، إلا أن ذلك لم يمنع بعض اللاعبين من الإقرار بهذه المُمارسة "الشَّاذة"، من حيث المنطق على الأقل (الشَّاذَّة). ويُصرِّح ، مدافع بالقول: "أُدخِّن ما بين الفينة والأخرى، إنها متعة صغيرة بالنسبة لي، لن أنفي ذلك ولن أكذب عليكم".



أما بالنسبة ل، متوسط ميدان، فإن الأمر يتعدَّى النّطاق المناسباتي بخلاف سار، ويصل إلى حد الإدمان، وفق ما كشفه مدربه السابق في المنتخب البلجيكي، : "أعرف رادجا جيداً، إنه يحتاج إلى التدخين، لا أدري عدد السجائر يومياً، لكنني أحجز له دائماً غرفة تتوفر على شرفة في تجمعات المنتخب، إذا منعته من ذلك، سيُكسِّر ما بغرفته".



وعلى منوال سار وفيلموتس، اعترف ، الذي جرى رصده هو يدخِّن في بعض المناسبات، بوضوحٍ بالغ بذلك، بقوله عقب انضمامه إلى برشلونة، صيف 2014، قادماً من فالنسيا: "هو موضوع شخصي، لا أدخن علبة واحدة يومياً، بل في بعض المرات فقط، لم أدخن مثلا في الوقت الحالي منذ 15 يوماً، لكنني أدخن، ولست الأول والأخير من بين لاعبي كرة القدم".



في الوقت الذي كشفت فيه هذه الفئة من اللاعبين تدخينها، بمحض إرادتها، هناك نجوم آخرون اصطادتهم عدسات "الباباراتزي" والكاميرات وهم ينفثون دُخَّان السَّجائر وكذلك "النرجيلة أو "الشيشة". ولعلَّ أبرز من سقط في هذا الفخ كان الفرنسي زين الدين زيدان، المتوج بكأس العالم مع "الديوك" كلاعب وبدوري أبطال أوروبا رفقة كمدرب.


وبينما كان يستعد المنتخب الفرنسي لمواجهة البرتغال، ضمن نصف نهائي 2006 بألمانيا، جرى رصد الأسطورة الجزائرية الأصل وهو يُدخِّن من شرفة غرفته بالفندق، لكن دون أن يتحدث زيدان عن ذلك بعدها، رغم أن تلك الصورة كانت كافية لتُدين اللاعب أنذاك قبل اللقاء الذي انتصر فيه المنتخب الفرنسي على نظيره البرتغالي وبلغ النهائي.



ويُمكن تصنيف جملة من اللاعبين والنجوم في خانة زيدان، وسيناريو انْكِشاف أمر تدخينه، على غرار و وديميتار بيرباتوف، إضافة إلى غيرهم من الأسماء اللامعة في عالم كرة القدم.


أنشيلوتي وظاهرة "الأرجيلة" الجديدة

"المدرب هو بمثابة مؤطر ومربِّي، يتعيَّنُ عليه أن يشرح للاعبه أن التَّدخين سيُؤثِّر على سلامة تنفُّسه، وسيتعرّض لهشاشة على مستوى العضلات إذا دخَّن كثيرا"، كانت هذه كلمات وحيد حاليوزيتش، المدرب البوسني الذي تولَّى الإشراف على عدة أندية ومنتخبات، إذ يُبدي قائد العارضة الفنية للمنتخب الجزائري سابقاً صرامةً وحزماً شديداً مع هذه المسألة.


على النَّقيض، يحْضَرُ بعض المدربين الذين لا يُحرِّكون السَّاكن إزاء تدخين لاعبيهم، ولو كانوا في المعسكر أو قبل المباريات الهامة. الإيطالي ، هو واحد من الأسماء التي تشتهر بدبلوماسيتها في التَّعامل مع لاعبيها، وتبتعد الصَّرامة عن مُقاربتها في تدبير تركيبته البشرية.



الرُّباَّن الذي كان يُشرف على ما بين 2001 و2009، لم يجد أدنى حرجٍ في تقاسم جلسة "أرجيلة" مع بعض نجومه في الفريق، وقتها، مثل البرازيلي ، خلال تواجد "الروسونيري" بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما وُثِّق ببعض الصور التي أظهرت المدرب و"الظَّاهرة" ينخرطان في تدخين "الشِّيشة".


"الأرجيلة" كما يحلو لساكنة المشرق مُناداتها، أضحت في نهاية العقد الأخير "ظاهرة" جديدةً اجتاحت الأوساط الرياضية واللاعبين، ويمكن القول بأن صورة أنشيلوتي وبعض لاعبيه كانت بمثابة إحدى المشاهد الأولى لعلاقة نجوم المستديرة بهذا الصِّنف المُختلف من التَّدخين.



وفي 2018، تكون "الشِّيشة" قد خلَّفت عشرات من اللاعبين والنجوم الذين أقبلوا عليها، واصطادتهم العدسات، مُجسِّدين نزوع فئة كبيرة من المُحترفين في عالم المستديرة إلى "الأرجيلة" التي يُفضِّلها الكثيرون منهم على السَّجائر. وقد ظهرت على طاولة مجموعة من الأسماء، منهم المغاربة ك و وأجانب مثل الأرجنتيني كون أغويرو والإنجليزي رحيم ستيرلينغ.


ماذا يقول الطِّب؟ 

يقول إيمانويل أورهانت، المدير الطِّبي للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، إن "التَّدخين يُشكِّل مخاطر وتهديدات على المسار الكروي اللاعبين". أما بيرتراند دوتزنبورغ، طبيب فرنسي ينشط في هذا المجال، يؤكد أن "الشِّيشة وسمومها تستقر في العضلات، من بينها عضلة القلب، وهو ما يجعل مردودية الرياضيين تقل وتنخفض في الـ72 ساعة التي تعقب تدخينها".


ورغم أن أضرار التَّدخين تبدو معروفة للعيان، إلا أن التَّساؤل الذي يطرحه العديدون ينْصبُّ حول المدة الزمنية التي يستغرقها هذا السلوك للتأثير على أداء الرياضيين، وهل تظهر هذه الانعكاسات في صحة الشخص بشكل سريع أم على المدى البعيد، خاصّةً بالنسبة للاعبين.



الظهير الأيمن لنادي الجنوب الفرنسي، بونا سار، يتحدث في هذا الإطار، بالقول: "لا أعتقد أن ذلك يؤثِّر على قدراتي البدنية، يمكنكم ملاحظة ذلك، لا أجد أي عناءٍ في الرَّكض، وتكرار الواجبات التي تستغرق مجهودات كبيرة على أرضية الملعب، إذن، كل شخص هو حر في حياته الخاصة".


إلى ذلك، تُفيد بعض الدِّراسات والآراء الطِّبِّية بأن تأثير التَّدخين يختلف بين لاعب وآخر، مُشيرةً إلى أن الكثير منهم لا يستطيعون المضي قدماً في مشوارهم الرياضي والوصول إلى منتصف الثلاثينيات دون أن يعتزلوا، في تأكيدٍ على أن الأضرار ثابتة وأكيدة وتُلقي بظلال سلبية على المردود العام للاعب. 

طاغات متعلقة