تركي آل الشيخ.."سرطان متوحش ينخر في جسد مصر" - Elbotola - البطولة

تركي آل الشيخ.."سرطان متوحش ينخر في جسد مصر"

حصري لموقع البطولة
19 غشت 2018على الساعة00:59

بقلم | م.م (البطولة)


زمان كنا نسمع “أبو العينين شعيشع ومحمود سيد المنشاوي ومحمد رفعت” ونستمتع بتجويدهم وتلاوتهم للقرآن الكريم.


كنا لا نسهر إلا على المقاهي الشعبية ونلعب الطاولة والشطرنج، ونشتري الصناعات المحلية المصرية ونرتديها بكل سعادة.


كنا نرى البنات والسيدات بملابس ذات ألوان جميلة ومُبهجة وزاهية تُعبر عن إرث وتاريخ المرأة المصرية، ولا يعرف أحدهن شيئًا عن ثقافة “المول والهايبر”، ذلك المكان الضخم الذي يضم جميع الماركات والبضائع المستوردة والمتاجر والكافيهات العالمية.


كنا نكتفي بالتواصل عبر الماسنجر أو عبر نقاشات المنتديات التقليدية ونحرص على التجمعات ولعب الكرة بعد صلاة الجمعة وقبل الإفطار في رمضان.


مع الوقت وبـ (قدرة قادر) تبدل الحال وانقلبت تلك الحياة البسيطة رأسًا على عقب، وأصبحنا لا نسمع المنشاوي ونسمع أصواتًا من السعودية على وجه الخصوص مثل “ماهر المعيقلي وسعد الغامدي وماجد الزامل وناصر القطامي”..


ونسهر في أفخم الكافيهات المكيفة على طريقة سكان الخليج والسعوديين تحديدًا، ونتسوق مثلهم في المولات والمتاجر الكبرى ونشتري الماركات العالمية ونهمل الصناعات المحلية.


رأينا لأول مرة النقاب والملابس السوداء وثقافة اللحية الكثيفة الطويلة القادمة من السعودية تحديدًا، والرجال والنساء يقومون بملء سلة المشتريات في السوبر ماركت عن بكرة أبيها مثل سكان الخليج عمومًا، ولا يمارس الشباب الرياضة ويلعبون الألعاب الإلكترونية، ويضيع الجميع وقته على تويتر ثم على إنستاجرام ثم سناب شات، وأصبحت هدايا الأطفال من كرة قدم أو لعبة لاختبار الذكاء إلى هدايا تساعد على الخمول والكسل، مثلما رأيتم ذلك الطفل الفقير الذي طالبه رجل سعودي في فيديو على السوشيال ميديا بتشجيع نادي اسمه بيراميدز مقابل "بلاي ستيشن"، وليس مقابل مساعدته على التعلم في مدرسة لغات أو ما شابه..


التأثير على الشخصية المصرية، تكفل بنقله المواطن المغترب عند عودته إلى أرض الوطن في الفترة من (1980-2010)، لكن هذا غير كاف بالنسبة للمنتفعين، فيجب ضغط هذا التأثير ونشره على نطاق أوسع وأعمق باستهداف الشباب والفقراء الذين يحبون تلك اللعبة الشعبية الأولى في العالم “كرة القدم” حتى لو كلف ذلك انفاق مليارات الدولارت بطريقة غير منطقية لاتمام المهمة في أسرع وقت ممكن، خاصةً وأن مهمة ادخال اسماء كـ "الهلال والشباب وأهلي جدة والنصر" إلى البيت المصري فشلت من خلال كأس السوبر المصري السعودي الذي ألغي قبل عدة أيام، لأنهم ليسوا بحاجة له الآن بعد نجاح عدة خطط..


كان تأليف رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية “تركي آل الشيخ” لبعض أغاني الهضبة “عمرو دياب”، وحصوله على لقب “الرئيس الشرفي للأهلي”، بداية بسيطة لما هو قادم، لكنها بالطبع أشياء لا تُعبر عن تطلعات وأهداف التأثير الحقيقي بعد أن طال شريحة عظيمة من المواطنين الذين تغربوا من أجل لقمة العيش فعادوا بثقافات وتصرفات لا علاقة لها بمباديء وتربية هذا الشعب، كما أن تلك المحاولات الخجولة "تأليف أغنية ورعاية أحد الأندية" أمور أثبتت فشلها مع عدد من الشيوخ والأمراء الخليجيين في سنوات مضت...فكانت الخطوة التالية..


رجل الأعمال السعودي مُصاب منذ فترة بمَرض "لفت أنظار الشارع الرياضي المصري" على وجه التحديد دونًا عن باقي الدول العربية، فقد أظهرت مصر حكومة وشعب استعدادًا مذهلاً في عملية التأثر بكل ما هو قادم من بلده.


بدأ تركي آل الشيخ بتغريداته المثيرة للجدل تارة على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر وفيسبوك”، وتارة أخرى أثناء فترة رئاسته الشرفية للنادي الأهلي، لدرجة دفعته قبل عدة أسابيع من نهائيات كأس العالم 2018 نحو نشر تغريدة كتب فيها “محمد صلاح لازم يوحشنا”، ليتلقى اللاعب إصابة موجعة في نهائي دوري الأبطال أمام ريال مدريد عصفت بأحلامه الجميلة، ويجد تركي نفسه متهمًا بالتأمر مع سيرخيو راموس وقوى أخرى خفيفة لإحباط المصريين في المونديال، وهذا أكثر ما تمنى حدوثه كي يصبح مادة صحفية "دسمة" وينتشر عنه المزيد من الموضوعات وينتشر اسمه أكثر فأكثر..

الحدوته بدأت “تلعلع” مع تركي، وصدق نفسه وصدق دخوله لرأس كل مصري، فبحث عن المزيد من الوسائل التي يُميز بها نفسه عن أبناء جلدته، فقام بشراء أحد أندية الدوري المحلي للسيطرة على سوق الانتقالات، حيث استهدف رفع سقف رواتب اللاعبين أمام خصومه، وتبع تلك الخطوة افتتاح قناة خاصة أنفق عليها ملايين الدولارات لبث آراء وشن هجمات وحملات مُمنهجة على كل مَن يُغضبه أو لضم مَن ينتقد تجربته وإغواءه بالمال كما في حالة دكتور “ياسر أيوب" المتشدق الأعظم بالمباديء ومتقمص دور صالح سليم العصر الحديث، فضلاً عن الإعلامي الشاب صاحب الآراء الناضجة سابقًا "أحمد عفيفي”.


وفجأة جلب تركي نجوم اللعبة السابقين أمثال "روبرتو كارلوس ولويس فيجو وجون تيري وروبي كين" وآخرهم أسطورة برشلونة والبرازيل الذي لم يحلل في أي قناة من قبل “رونالدينيو”، لاستعراض عضلاته أمام الشعب المصري المشتاق لاستعادة أمجاد إعلامه وقنواته بعدما سحبت شبكات أوربت وإم بي سي وراديو وتلفزيون العرب والجزيرة وبي إن سبورتس البساط من تحته بعد عصر السموات المفتوحة.


تأثير رجل واحد على كرة القدم المصرية والإعلام الرياضي من الناحيتين الرياضية والاقتصادية، أمر لم يحدث ونراه للمرة الأولى في التاريخ، لكنه يوضح لكم تعاظم فكرة السيطرة وتجريف الشخصية المحلية، والكارثي أن هناك تسهيلات يحصل عليها من جهات “معينة” لاتمام هذا التوغل والانتشار بنجاح، وفعل ما يحلو له دون رادع أو مانع، وتأكيد أن كل شيء يتحقق بالورق الأخضر، لا بالعلم والثقافة والاجتهاد.


جنون العظمة هو أحد الأمراض التي تقود وتحرك مثل هذا النموذج، بالضبط مثلما حرك ويُحرك رئيس نادي الزمالك، لكنه بالطبع أكثر عنفوانًا وشراسة لما يمتلكه من نفوذ ودعم مالي وسياسي غير مسبوق ومن مصادر "غير معلومة" لرجل ما في سوق رياضي عربي، فالشيء الغريب أنه أتم عامه الـ 37 فقط مطلع شهر أغسطس الحالي، ما يدفع المصريين للتساؤل عن مصدر أمواله وسر علاقاته ونفوذه في مثل هذا العمر المُبكر.


لقد انفق آل الشيخ 350 مليون جنيه، حتى هذه اللحظة، أو أكثر بقليل، خلال شهري يوليو وأغسطس للتعاقد مع لاعبين جدد في الفريق المُتحول، وأنفق المزيد حين استغنى عن مدربه البرازيلي “فالنتيم” بعد ثلاث جولات فقط من بداية الموسم ليجلب الأرجنتيني “لافولبي”، بحجة عدم اعجابه بالأداء وهي (بالمناسبة) نفس الحجة التي أقال بها الهولندي “فان مارفيك” بعد قيادته للسعودية للتأهل إلى كأس العالم 2018، ولا تفهم ما سر علاقته بالأرجنتين وبـ (أميركا اللاتينية) عمومًا، فقد استعان بالثنائي الأرجنتيني “باوزا وبيتزي” خلال أشهر معدودة لتدريب السعودية.

لو انتقلنا للشق الاستثماري والإعلامي، فحدث ولا حرج، فقد زاد الجنون حد المسموح حين تعاقده مع “مدحت شلبي” ومنحه راتبًا سنويًا (مليون و250 ألف دولار) نظير تقديم برنامج يومي، بالإضافة إلى “أحمد حسام ميدو” الذي أغراه بملايين الدولارت لاقناعه برفض مساعدة أجيري في تدريب المنتخب المصري الأول والمواصلة مع بيراميدز، وكأنه لا يزال في ريعان شبابه بين صفوف توتنهام، وهذا لأنه يعي جيدًا قيمة وتأثير ميدو ومن قبله عفيفي على الشباب، وهذه أوراق مثالية لإيصال أفكاره إليهم بكل سهولة.


انتقال شلبي وميدو وإبراهيم سعيد ورضا عبد العال، وحتى أحمد حسن وهادي خشبة وحسام البدري إلى قناة بيراميدز أمر قد يراه البعض عاديًا ومبلوعًا، لكن ماذا عن سَماح ناديين من أندية الدوري الممتاز مثل سموحة والمصري البورسعيدي لمدربيهم بالعمل مع القناة؟ ما هي المبالغ التي دُفعت للحصول على موافقة “سمير حلبية وفرج عامر”؟.


لو راجعنا فاتورة الرواتب السنوية لمحللي ومقدمي برامج قناة بيراميدز سنجدها تتجاوز الـ 100 مليون جنيه، ناهيك عن فاتورة رواتب رؤوساء التحرير والصحفيين والمراسلين في البرامج والاستوديوهات، وما يحصل عليه نجوم أمثال رونالدينيو من مكافآت وإقامة في فنادق وتذاكر طيران، والمبالغ التي تُدفع إلى لاعبي الفريق أمثال “علي جبر وعمر جابر وأحمد الشناوي ورودريجينيو ومحمد مجدي أفشة وكينو”؟.


مصر ظلت صامدة أمام تحديات “سرطانية” على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي وحتى الديني خلال العقود الماضية، وفي عام 2012 بعد مذبحة بورسعيد، اعتقد بعض المُتربصون أن الرياضة ستدخل غيبوبة طويلة الأمد، لكنها ظلت على قيد الحياة وشهدت تتويجات وألقاب للأهلي والزمالك في جميع الألعاب ونجاحات عظيمة لمحمد صلاح في أوروبا، وعودة تاريخية إلى كأس العالم بعد غياب 28 عامًا.


ما رأيناه من تركي خلال الأشهر الماضية قد لا تتحمله مصر ولا تصمد أمامه (إذا استمر دون رادع)، فحرية الاستثمار عندما تَضر مبدأ “تكافؤ الفرص” تطيح بالجميع، وتؤثر بالسلب على مباديء التنافس النظيف، ولهذا لا بد من وقفة جادة من المسؤولين لوقف المهزلة، ليس على الصعيد الرياضي فقط بل الإعلامي للحفاظ على الإتزان الذي كان يسير بخطى ثابتة مع تعاظم وتطور دور أندية الشركات البترولية والمؤسسات العسكرية والشرطية برؤوس أموال (غير مجهولة المصدر).


الحل في يد الاتحاد المصري لكرة القدم ووزارة الشباب والرياضة وجهاز حماية المنافسة المصري، عليهم بالتصدي للتأثيرات السلبية الناجمة عن تجربة أي رجل أعمال يسعى للسيطرة والانفراد سواء لأسباب ربحية أو لأسباب اجتماعية تتعلق بتجريف الشخصية المحلية، بسن قانون اللعب النظيف على طريقة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بتحديد إنفاق الأندية على الصفقات الجديدة كل صيف، وتحديد سقف الرواتب الشهرية للاعبين، ومن ثم تضييق الخناق على أي قناة أو مستثمر تسعى لاحتكار حقوق بث المباريات المحلية، وتوزيعها بالعدل والتساوي على جميع المتقدمين بطلب البث، ومواصلة بث المسابقات على القنوات الأرضية مثلما يحدث في كل دول العالم، وإلا ستسقط الرياضة المصرية في مشاكل لا حصر لها في المستقبل..حذاري يا سادة، اليوم لكم سعر ودور وقدرة على إتخاذ القرار، في الغد لن تكون لديكم نفس القدرة ونفس القوة..وأنتم تعرفون لماذا!!.