كأس آسيا 2019: المنتخب السوري يبحث عن ابتسامة وسط النزاع والانقسام
يدخل المنتخب السوري لكرة القدم، منافسات كأس آسيا 2019، مشاركا في أول بطولة رسمية له منذ اندلاع النزاع الدامي في البلاد قبل نحو ثمانية أعوام، آملا في زرع ابتسامة على ثغور السوريين، لكن هؤلاء منقسمون حوله.
في يناير 2011، شارك المنتخب للمرة الأخيرة في البطولة القارية التي كانت مقامة في قطر، قبل أسابيع من دخول بلاده في نزاع مدمر بين نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضيه. وبدءا من الأحد، يعود "نسور قاسيون" الى الساحة القارية من بوابة كأس آسيا في الإمارات، في مواجهة المنتخب الفلسطيني ضمن المجموعة الثانية.
ويقول لاعب المنتخب مؤيد عجان لوكالة فرانس برس "صنعت الضغوط وآلام الحرب فعلا إيجابيا في نفوسنا حيث كنا مصرين على إسعاد الشعب السوري الذي كان يحتاج إلى الفرح".
يضيف لوكالة فرانس برس "كان تأهلنا إلى الإمارات نصرا للجميع بعد ثماني سنوات من مشاركتنا في نهائيات الدوحة 2011".
انعكس النزاع سلبا على كرة القدم السورية. أوقف منافساتها في مرحلة أولى، قبل أن تعود بشكل خجول الى مناطق بقيت في منأى عن أعمال العنف كدمشق ومدن ساحلية، ولاحقا بشكل تدريجي الى مدن استعاد الجيش السوري السيطرة عليها كحمص (وسط) وحلب (شمال).
وبينما لا يزال المنتخب ممنوعا من استضافة مباريات على أرضه، شكلت مشاركاته الخارجية المحدودة متنفسا نادرا للسوريين، أكانوا من مشجعي اللعبة أم لا.
وتقول ماريا بارود (29 عاما) الموظفة في متجر ألبسة بدمشق، لوكالة فرانس برس "لم أتوقع في حياتي أن يأتي يوم وأحفظ فيه اسم لاعب كرة قدم، لكن مع المنتخب السوري حفظت أسماء كل اللاعبين وأتابع مواعيد مبارياته واشتريت القميص الخاص به".
تضيف "لم يعد الأمر بالنسبة لي (...) مجرد لعبة ذكورية قاسية وجافة، صارت اللعبة مسألة وطنية وحساسة وننتظرها ونفرح، ونرقص حين يفوز المنتخب ونحزن ونبكي حين نخسر".
تتابع "حزنّا كثيرا خلال الحرب ونبحث عن أي لحظة فرح لنستغلها".
- منتخب سوريا أم النظام؟ -
بلغ "نسور قاسيون" في 2018 مرحلة متقدمة من التصفيات المؤهلة الى كأس العالم في روسيا، وخرجوا بصعوبة أمام أستراليا في ملحق التصفيات الآسيوية. وسيجد المنتخب السوري نفسه مجددا في مواجهة الأسترالي بطل آسيا، وذلك في المجموعة الثانية مع الأردن والمنتخب الفلسطيني.
في أواخر ديسمبر الماضي، أقام المنتخب حصة تدريبية مفتوحة للاعبيه أمام المشجعين ووسائل الإعلام قبل السفر للإمارات. وعلى ملعب تشرين الدمشقي، هتف آلاف المشجعين على وقع الألعاب النارية وأضواء الهواتف الذكية التي تلتقط الصور وأشرطة الفيديو، في مدرجات تعلوها صورتان كبيرتان للرئيس الحالي ووالده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
لعل هذه الصورة تختصر الانقسام حول المنتخب، والذي كان جليا خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم، اذ اعتبر العديد من المقيمين في مناطق سيطرة المعارضة، أن المنتخب ممثل للنظام لا للبلاد. مع كأس آسيا، لم يتبدل الأمر في مناطق سيطرة المعارضين.
ويقول رامي محمد (23 عاما) المقيم في منطقة أعزاز بريف حلب، لفرانس برس "المنتخب لا يمثلني ولا بأي شكل".
يضيف "واهم من يقول إن السياسة ليس لها علاقة بالرياضة، كل لاعبي المنتخب هللوا للنظام المجرم فكيف أشجع لاعبي المنتخب الذين يدعمون القاتل؟ (...) المنتخب يروج بشكل كبير للأسد".
ويرى محمد يونس شاشو (31 عاما) المقيم أيضا في أعزاز، أنه "مع قدوم كأس آسيا شعوري هو بشعور الرياضيين الذين ما زالوا معتقلين إلى الآن في سجون النظام، وزملاءهم حاليا يلعبون تحت صورة بشار الأسد".
واعتبر شاشو أن المنتخب "واجهة للنظام السوري" ولرئيسه الذي "قالها على العلن إن الانتصارات الرياضية تكمل الانتصارات العسكرية".
وكان الأسد قد استقبل في أكتوبر اللاعبين بعد تصفيات كأس العالم، والتقط معهم الصور التذكارية ووقع على قمصانهم الرياضية.
وقال الرئيس السوري حينها "أنا متأكد أن الفريق الوطني عندما كان يلعب، مثل كل مواطن سوري، يفكر وهو عندما يحاول أن يحقق إنجازا، أنه سيكون رديفا ومكملا لعمل القوات المسلحة".
- "من رحم المعاناة" -
يركز اللاعبون على الوحدة على أمل إبقاء النقاش السياسي خارج المستطيل الأخضر. في المراحل الأولى من النزاع، شهد المنتخب ابتعاد عدد من اللاعبين لأسباب سياسية، يتقدمهم فراس الخطيب. عاد قائد المنتخب الى صفوفه لاحقا، لكنه سيغيب عن كأس آسيا بسبب الإصابة.
بالنسبة الى اللاعبين، الأهم حاليا هو البناء على الإنجاز المتمثل ببلوغ نهائيات البطولة التي ستكون الأكبر مع مشاركة 24 منتخبا بدلا من 16.
ويخوض "نسور قاسيون" مباراتهم الأولى في المجموعة الثانية الأحد أمام منافس يعرف تماما ما هي آثار الحرب والنزاع، هو المنتخب الفلسطيني.
ويقول حارس مرمى سوريا إبراهيم عالمة "يجب أن نبقى مواكبين للرياضة لكي نبقي البسمة (...) في كرة القدم أو غيرها، ان تجمع الناس رغم كل الهجمات التي حصلت، رغم كل الظلم الذي تعرض له الشعب السوري".
مع انطلاق صافرة بداية المباراة الأولى، سيكون محمد بارافي (24 عاما) الموظف في شركة لأجهزة الكومبيوتر بدمشق، مستعدا لمشاهدتها مع التقاليد المعتادة: إجازة من العمل، ومتابعة عبر الشاشة في غرفته.
ويقول "منتخبنا الحالي هو أفضل منتخب تنجبه سوريا، لأنه جاء من رحم الأزمة والمعاناة، وهو منتخب الحرب التي قست عليه كثيراً".
يضيف لفرانس برس "المباراة بالنسبة للاعبين هي ليست لعبة فقط، بل هي ساحة مواجهة من أجل رسم البسمة على شفاه السوريين (...) على عاتقهم مسؤولية كبيرة.. مسؤولية فرح الشعب".