أسرع أفيال العالم .. وداعًا - El botola - البطولة

أسرع أفيال العالم .. وداعًا

فاروق عصام (البطولة)
22 نونبر 2018على الساعة15:42

استيقظ كعادته متأخرًا على عمله، ولكنه كما لا يستطيع الاستغناء عن مشروبه الصباحي الساخن، فهو لا يستغني عن مطالعة مواقعه الرياضية المفضلة، فدائمًا هذا الوقت المبكر من الصباح يحتوي على أهم أخبار اليوم، فأي نادٍ يمت للكرة الحديثة بصلة لا يعقد صفقة سوى في ساعات متأخرة من الليل، وأغلب البيانات الهامة تجدها تتصدر عناوين الأغلفة الصباحية.


هذه المرة بدا كل شيء مختلفًا، فلأول مرة لا يشعر بلذة مشروبه، الذي بدأ يمل منه، ولأول مرة منذ فترة يجد رسالة شديدة اللهجة من مديره بشأن تأخره المستمر، اليوم حتى ليس الثلاثاء لكي ينتظر المزيد من الكوارث، فهو موعود بمصائب الثلاثاء الحزين دومًا، وبدأ عقله يسرح وهو يحرك أصبعه لأعلى وأسفل عبر شاشة الهاتف بشاكلة تجعله يتصفح صورًا لا تكاد عينيه من الشرود تلتقط حروفًا تحتها.


التفكير فيما يمكن أن يحدث من سوء اليوم يسيطر على عقله، إلى أن حدث ما هو أبشع من أسوأ خيالاته، فها هي صورة لنجمه المفضل "ديديه دروجبا" تظهر أمامه ليقرر دون حتى الانتظار لقراءة العنوان الضغط على الموضوع من أجل تصفحه كاملاً، تناسى للحظات الحظ العاثر والشعور المحبط الذي يراوده منذ استيقاظه وكأنه جبل يرتكز على صدره.


وبدأ في استعادة شريط مصور لكل ذكرياته مع النجم الإيفواري، وأول شيء تبادر في ذهنه تلك الرأسية التاريخية في ملعب الأليانز أرينا، والتي جعلته لا يستطيع من بعدها متابعة أي مباراة في هذه الملعب، فهو يشاهد فريق البايرن يلعب وفي كل مرة يرى تلك الرقعة أمام المرمى يظهر أمامه تمثالا متحجرًا لأسطورته وهو في وضعية تصويب الكرة بالرأس، وكأنه لو امتلك مالاً سيذهب لإدارة الفريق البافاري من أجل شراء الملعب لوضع تمثال فعلي في تلك المنقطة يخلد به أهم فرحة عاشها مع كرة القدم.


مجموعة من الاحتفالات الجنونية والصور الحماسية تجري أمام عينيه، إلى أن لمح مشهدًا لهذا الاحتفال "المغرور" في كأس الأمم الأفريقية، وتذكر أنه في تلك الفترة ظل يشاهد سهام انتقادات من الجميع تصوب نحو فيله المغوار، وبينه وبين نفسه كان فخورًا بهذا الاحتفال، وبات في كل مرة يختلي بذاته في لحظة نشوة يقف أمام المرآة ويقلد ديديه رافعًا رأسه بكل شموخ ولسانه يقول ها أنا هنا فهل من مبارز؟!


وأخيرًا انتهى الانتظار من أجل اكتمال "تحميل" النافذة فهو يعيش في دولة من العالم الثالث ولا داعي لوصف الوقت الذي تستغرقه فتح صفحة إنترنت في تلك البلدان، فيمكن للشخص أن يتزوج وينجب أطفالاً ثم يعود ليجد صفحته قد أوشكت على الفتح، ولكن هذه المرة اصطدم بالخبر المشؤوم، نعم إنه ليس فيديو لهدف جديد من أهداف دروجبا بعيدًا عن الستامفورد بريدج، بل هي كلمة النهاية، إنه "الاعتزال".


اعتدل المشجع المُتيم بالبلوز في جلسته، وبدأ يطالع صورة دروجبا عجوزًا أصلع لا يمت بصلة لهذا الوحش الذي لطالما كان بالنسبة له حيوانًا أليفًا، هل بالفعل هذا هو اليوم الذي لم يأمل أن يأتي أبدًا؟ ... وكأن الفيل رحل منذ أسبوع واحد عن غابته الغربية ليس منذ ثلاثة أعوام ينازع فيها الموت وحيدًا، كل ما تبقى لهذا المشجع ذكريات وشجار متعصب حين يتم طرح سؤال جدلي في جلسة كروية "هل أنت مع فريق دروجبا أم فريق إيتو؟".