القوة الذهنية والعقلية القتالية تُثمر للشياطين الحمر
في بعض الأحيان، عليك أن تعاني إن أردت تحقيق ما تصبو إليه، وبلجيكا كانت تعلم أنها لا تستطيع الفوز على البرازيل إلا بتضافر الجهود وبذل الغالي والنفيس. وعلى هذا الأساس، فضّل الشياطين الحمر اللعب بأسلوب مختلف عن نهجهم المعتاد يوم 6 يوليو في كازان أرينا، مُدركين أن ذلك هو الطريق الأمثل لتجاوز عقبة دور الثمانية وبلوغ نصف نهائي كأس العالم روسيا 2018. فقد جاءت التعليمات من روبرتو مارتينيز وفقاً للاعبين الذين يضمهم في فريقه، حيث ارتأى المدرب أن الصمود والمثابرة والعمل الشاق هو السبيل الأنسب لتسهيل المهمة على النجوم الموهوبين الذين تزخر بهم الكتيبة البلجيكية. إذ من خلال اجتذاب أبطال العالم خمس مرات إلى نصف ملعب الشياطين الحمر، وجد البلجيكيون الفرصة للعب وفق السيناريو المفضل لديهم: ألا وهو الانطلاق من الخلف في مساحات شاسعة.
وبالفعل، أثمر النهج التكتيكي وتقدّم أصحاب القمصان الحمراء في النتيجة عن طريق فيرناندينيو الذي سجل هدفاً بالخطأ في مرمى فريقه في الدقيقة الثالثة عشرة. وفي حديث لموقع FIFA.com، علّق روميلو لوكاكو الذي صنع الهدف الثاني بتمريرة حاسمة لزميله في الهجوم كيفين دي بروين بعدما ركض بالكرة مسافة 40 متراً من نصف ملعب فريقه "كانت لدينا خطة واضحة، وقد طبّقناها بالشكل المثالي. لقد نصحت زملائي قبل المباراة بعدم الخوف من الخصم لأننا نملك السبل الكفيلة بالتغلب على هذا العملاق البرازيلي، ولكن شريطة أن نفكر بعقلية جماعية." ولعل الطريقة التي ضاعفت بها بلجيكا تقدمها تعكس بالملموس دلالات كلمات مهاجم مانشستر يونايتد، الذي ضحّى بدوره التهديفي في سبيل ارتداء ثوب المحارب في خط الوسط، لكن دون التفريط بقدراته الهائلة على التمرير داخل منطقة الجزاء.
ومن منطلق خبرته الإستراتيجية الواسعة، أدرك مارتينيز أنه كان على شياطينه أن يتحوّلوا إلى جنود لخوض المعركة وفق التكتيك الذي خطط له فكان مروان فيلايني أول من لبى النداء ودخل جبهة القتال بكل التزام ومسؤولية. وأوضح مدرب بلجيكا بابتسامة على وجهه أن "بطولة كبرى مثل كأس العالم لا تعترف بالموهبة وحدها، فهي لا تعرف إلا المجهود الجماعي. قيمة لاعبينا لا تقتصر على الموهبة فحسب، فهم يمتلكون أيضًا قدرات نفسية هائلة وإمكانيات بشرية كبيرة. وكان من الضروري توافر كل هذه العوامل مجتمعة لتقديم هذا الأداء الباهر وبلوغ هذه المرحلة من النهائيات العالمية بإزاحة منتخب عملاق مثل البرازيل."
وبدوره، كان خطاب توماس مونييه بعد المباراة يعج بالمصطلحات والعبارات المستوحاة من فنون الحرب، حيث قال الظهير الأيمن البارع "على غير العادة، لم أستمتع باللعب في الهجوم اليوم، لقد كان الأمر يتطلّب تضحيات كبيرة منا جميعاً دون استثناء." وتابع لاعب باريس سان جيرمان، الذي سيغيب عن المنتخب البلجيكي في نصف النهائي ضد فرنسا بسبب الإيقاف "يجب أن نهنّئ أيضاً دي بروين وهازار ولوكاكو الذين قدّموا كل شيء للفريق بفضل تحركاتهم وانطلاقاتهم السريعة وتفانيهم في خدمة المجموعة."
بعد الجهد المكثف والتضحيات الكبيرة، خلد الشياطين الحمر إلى الراحة مباشرة عقب صافرة النهاية، حيث أرادوا الإستمتاع معاً لفترة طويلة قبل مغادرة غرفة الملابس. ثم دعوا مشجعيهم أن يفعلوا الشيء نفسه وينتشوا بهذه اللحظة التاريخية دون أن ينسوا "إطلاق العنان للإحتفالات"! كيف لا وقد حققت بلجيكا للتو أول فوز لها على منتخب من الثلاثة الأوائل في التصنيف العالمي FIFA/Coca-Cola منذ 2002، وهو العام الذي تغلبت فيه على جارتها فرنسا.
لقد حلّ جنود مارتينيز بالديار الروسية رافعين شعار "الشياطين الحمر في مهمة"، وهو الشعار الظاهر على الحافلة التي نقلتهم إلى خمسة ملاعب مختلفة حققوا فيها نفس العدد من الإنتصارات. وبعدما أظهروا أمام البرازيل مدى قوة الترسانة التي يتسلّحون بها، ها هم الآن في استراحة المحاربين قبل الدخول في معركة كروية جديدة تعد بالكثير من الندية والإثارة والتشويق.